الخماس بين الامس واليوم


توطئة: ان الذي شجعني على اقتحام هذا الموضوع حيث انه بدا يدخل في طي النسيان فاردت استحضاره من خلال الذاكرة الشعبية رغم توقف العمل به في جل الواحات وتجنب خوض الناس الحديث فيه او تناسوه عملا وقولا ويرجع ذلك لعدم توفر المراجع وعزوف المؤرخين عن ذكره الا نادرا علما انه يمثل جزأ لايتجزء من تاريخ بلادنا الزراعي وككل نظام عمل هناك مشاكل وصعوبات تعترض كل من صاحب العمل والمؤجر منها الاستغلال المفرط للمؤجر او بعض التراخي الذي يبديه احيانا العامل نحو عمله وكلاهما يرمي الكرة على الطرف الاخر في الاخلال بالعهود المناطة بعهدتهما كتابية كانت ام شفوية..ونظرا لتشلبك المصالح بينهما واستحالة استغناء احدهما عن الطرف الاخر كان لزاما عليهما التوافق ولو نسبيا ومن هذا المنطلق نشات العلاقة بين الملاك صاحب الارض والخماس او الشريك ورغم الامية المتفشية لدى عموم الخماسة في تلك الفترةحيث انهم كانوا دائما عرضة لتعدي اصحاب العمل اي الفلاحة على حقوقهم هذا ما اكدته الروايات الشفوية وبعض الوثائق الخاصة مما تركهم عاجزين عن التضامن فيما بينهم والدفاع عن انفسهم ضف الى ذلك مخلفات الحكم البائد للبايات والمعضلة الكبرى المتمثلة في الاستعمار الفرنسي التي مست جميع الاطراف.
العمال الخماسة:
ينقسم نظام العمال الخماسة بالبلاد التونسية الى عدة اصناف هي:
1..الخماسة يكون مكان تواجدخم في مناطق انتاج الحبوب ويطلقون عليهم بالرباعة في الوسط لان نصيبهم هو ربع المحصول
2..المساقون: يتواجدون في مناطق القوارص والزراعات السقوية والزيتون
3..الشركاوة او الخماسة: يتواجدون بالواحات ويتقاضون الخمس من انتاج التمور والنصف من انتاج الخضر والغلال في العموم ولكن هناك حالات تعطي اقل من هذا النصيب في المحصول.
4..الرتابة جمع رتاب وهم حراس مطامير الحبوب في مناطق اشباه رحل او رحل وهم الرعاة
واجبات الخماس:
تتمثل واجبات الخماس نحو عمله في القيام بالاعمال التلية:
1..حفظ وصيانة الغابة التي بعهدته
2.قطف الحشيش اي العشب الاخضر لاستعماله كعلف والرسيم والفصة وازالة الحطب وحملهم جميعا الى مقر سانى الملاك
3..تهيئة ارض الغابة للزراعة بعزق ها وجلب المواد العضوية اليها على ظهور الدواب حتى فترة الانتاج
4..يتعهد الخماس بجميع الاعمال التي تحتاج اليها المزرعة من تسييجها وسقيها ليلا ونهارا تحت اي ظرف طبيعي كان كالامطار والرياح والقر والحر ويقوم بتلقيح النخيل.
5..حراسة الغابة من كل اذى المتاتي من اللصوص والحيوانات السائبة
6..الى جانب مساعدته على عمله في موسم جني التمور العمال الموسميون والقيال.
ترتيب العمل داخل المزرعة:
يخضع الخماس الى قانون الفلاحة الذي اصدره الوزير الاكبر خير الدين باشا عام 1874م وهذا القانون يعتبر حسب راي اهل الاختصاص مجحف حيث ان احد فصوله تنص على العقوبات التالية:
في حال تغيب الخماس عن مكان عمله بلا عذر او تراخي يكون من حق الملاك ان يستاجر اجيرا يقوم بالخدمة ويكون اجره خارجا من حصة الخماس في الصابة واذا تغيب لعذر معتبر كمرض اوغيره فان الملاك يمهله مدة ثلاثة ايام بعد غيابه عن العمل كما ينص القانون على الجبر الفوري للخماس على العمل في صورة انقطاعه عن العمل ومنعه عن الاشغال بمهنة اخرى وتم تقديم السنمة الفلاحية بشهر عن موعدها اذ اصبحت تبدا في سبتمبر وهو ما يصعب جدا مطالب بتجديد عقده مع نفس الفلاح وحول قيمة التسبقات المالية الممنوحة خلال السنة من طرف الفلاح للخماس تكون مشروطة بوثيقة ممضاة من طرف الفلاح والوقاف بهذا ارادت السلط انذاك بهذا القانون لكسب ولاء الملاكين العقاريين وتغليبهم على خماستهم نظرا الى نزوع الخماسة الى استغلال الظرف الموتي لمصالحهم في سوق الشغل والمتمثل في النقص الحاصل في اليد العاملة غداة انتفاضة 1864. وفي القرن التاسع عشر اصبح الملاكة يميلون الى كتابة العقود نظرا لتفاقم النزاعات بين الطرفين من ذلك ان ميزان القوى اصبح لفائدة الخماسة والمتمثل في النو الديمغرافي مع احساسهم بانهم ينظرون اليهم نظرة ازدراء من قبل سكان البلاد لان مهنتهم تعتبر مهنة خسيسة ومذلة مع انهم منتشرون في اغلب الواحات وتتقارب طرق عملهم في الاسلوب والتنظيم الا ان قلما يوجد اختلاف طفيف بين معاناة خماس من منطقة الى اخرى ذلك مثلا نجد بواحة فزان بليبا سابقا ان العمل الفلاحي يقسم بين الملاك صاحب الارض وخمسة انفار هم الخماس وعدد اثنين من الجبادة والسقاي والمكريات هذا الاسلوب في العمل يشمل الاماكن التي لاتتوفر بها العيون الطبيعية الدفاقة فيلتجا اصحابها لا ستخراج مياه الري باستعمال العضلات البشرية لسقي المزرعة وفي ربوع نفزاوة ولاية قبلي حاليا بدات مظاهر البداوة تنقشع وتحل محلها الحضارة مع توفر المياه واهتمام السكان باعمار الارض بداية من سنة 1908.
بداية الاستقلال:
ومع بداية استقلال البلاد اخذ العمل بطريقة العمال الخماسة في التراجع وبدا يترنح بين المد والجزر وعممت الدولة التعليم على جميع فئات الشعب واعطيت الفرصة للمواطنين كي يمتلكوا اراضي جديدة وتمكن بعض الخماسة من امتلاك مزارع في مرحلة اولى عن طريق المغارسة ثم في مرحلة ثانية عن طريق البيع والشراء وتفتحت الافاق امام الجميع وبدات الهجرة الى اوروبا قصد العمل ومع تقادم مردودية بعض المزارع نظرا للا جهاد المستمر والحاصل من جراء كثرة تداول الاعمال الزراعية الفصلية وضعف التربة والكثافة الكبيرة لاشجار النخيل.
بداية تضاءل العمال الخماسة: مقارنة بما كانت عليه الاوضاع المعيشية للخماسة قبل 1881 وخلال هذه الفترة قبيل الاستقلال بدا اعداع العمال الخماسة في تالترجع النسبي وتعود الاسباب الى: تشتتت الملكية بين الورثة والمشاكل العقارية المترتبة من جراء ذلك ..اختلاط السكان بالمستعمرين والمستوطنين الجدد...اندماج السكان في مهن جديدة كحضائر البناء والصناعات المختلفة.
العوامل التي وراء عدم تمتع الخماسة بحقوقهم:
1..اعتبرت السلط الفرنسية الخماس شريكا لا اجيرا تماشيا مع الوقف الفقهي المالكي التقليدي من هذه المسالة وبقي محروما من الانخراط في النقابات العمالية ومن الانتفاع بالتشريع الاجتماعي الخاص بالعمال الخماسة كالتعويض في صورةتعرضهم لحادث شغل المتمثل في السقوط من اعلى اشجار النخيل وما يسببه ذلك من اعاقة نسبية او دائمة او وفاة مع تيتم اباءه حيث لا يمكن له ان ينتفع بتعويض على ذلك الحادث ولا يحق له في العطل الرسمية او الموسكمية ونظام التقاعد واذا اراد الحصول على حقوقه عليه الانخراط في نقابة الاعراف لا لانه فلاح شريك لا اجير هذا السلوك الذي اتبعته السلط الفرنسية رغبة منها في الحفاظ على المصالح المشتركة التي بينها وبين الاعيان الكبار على حساب حقوق الخماسة...2..النخيل الهرمة كل هذه العوامل ضف اليها تقاعس الملاك عن العمل الفلاحي بسبب اعتماده الكلي على الخماس في كل كبيرة وصغيرة تخص الميدان الفلاحي نتج عن ذلك عزوف بعض الخماسة من امتهان هذه المهنة ولجاوا بدورهم الى منافسة الملاك في امتلاك الارض والتفوق على بعض الملاكة احيانا رغم المعاناة النفسية والجسمية التي خلفتها مهنة الخماس للبعض منهم والتي بقيت عالقة بذهن الخماسة او الملازمة لهم طول حياتهم كالامراض والعاهات منها انتشار حمى المستنقعات في وقت من الاوقات تحدب الظهر..تساقط الاسنمان..الروماتيزم..لدغ العقارب والحشرات السامة..فقدان البصر الجزئ او الكلي من وخز الشوك والسعف اثناء تسلق النخيل..
مطالب الخماسة:
في فترة تمتع تونس بالسنوات الاولى لالستقلال طالب الخماسة بتحسين اوضاعهم العملية والمعيشية وذلك ضمن عدة مطالب كللت غالبيتها بالتوفيق وكان ذلك سنة 1959 وهي كالاتي:
1..التامين على المرض 2..بعث لجنة من الملاكين والشركاوة لحل الخلافات القائمة بينهم 3..الغء العمل المجاني والتمتع بمقابل مالي 4..الحصول على خمس كل انواع الانتاج الفلاحي بما في ذلك صنف دقلة النور
الخاتمة: واخيرا لايمكن ان ينكر دور الخماسة الذي كان ولا يزال يعتبر صاحب الفضل في وضع النواة الاولى لتكوين اليد العاملة المختصة الفلاحية وذلك بفضل خبرتهم الذاتيةالتي اكتسبوها بالوراثة ابا عن جد وما افول نظام الخماسة من الواحات حيث انه ترك فراغا كبيرا لدى اصحاب الارض لاضطرارهم المتواصل الى جلب اليد العملة من خارج الواحات مما ساهم ذلك في غلاء اليد العاملة الفلاحية الذي انعكس سلبا على الانتاج الفلاحي المرافق لانتاج التمور كالخضروات والغلال.
بقلم محمد الامجد الشائبي