التراث الشعبي


اقتصر الاهتمام في مرحلة أولى على الاعتناء بالمادة القولية  المنقولة بالمشافهة كالأساطير و الحكايات ، ثم توسّع في فترة لاحقة ليشمل باقي عناصر الثقافة الشعبية التقليدية , و الثقافة بهذا المفهوم في كل ما يضيفه الانسان إلى الطبيعة عندما يتدخّل قصد  إشباع حاجياته الحياتية فيكون بذلك وسطا جديدا يعيش فيه ، يسمى وسطا ثقافيا و يأتي مليئا بالكلام و الأنماط السلوكية و المواقف و المعارف  و العناصر المادية  و الكل يندمج في أنساق مرتبة ، و ينمو على نحو تراكمي و تكاثري و يتبع مجموعات بشرية محددة زمانا و مكانا و في هذا السياق تبرز الحضارة بوصفها مجرد نمط خاص من ثقافات  و شكل معقد من أشكالها ، إذ يقول ابن خلدون في هذا الصدد : " و الحضارة كما علمت ، هي الفنّن في الترف و استجارة أحواله و الكف بالصنائع التي توثق من أصنافه و سائر فنونه " و على هذا الأساس يمكن القول أن لكل شعب ثقافة و ليس له بالضرورة حضارة .
إنّ مصطلح التراث الشعبي يدل كما ذكرنا على المادة و العلم في الآن نفسه ، فمن حيث هو مادة يعرف باحتوائه لعناصر الثقافة الشعبية التي يتم تداولها وانتقائها من جيل إلى آخر عن طريق الرواية أو المشاهدة أو الممارسة ، و من حيث هو علم تهتمّ الدراسة فيه بجمع مواده و تصنيفها ووصفها ثم تحليلها بأساليب و مناهج علمية .
ومن المعروف أنّ التراث الشعبي العربي يضم شقا من المعرفة لعبت فيه الصفوة دورا هاما في شتّى ميادينها كعلوم اللغة و الأدب و الفلسفة و الطب و الفنون و شقا آخر يتضمّن المعرفة الشعبية المتعلّقة بالعامّة فالمعرفة النخبوية ترتبط بالفرد  و إسهاماته و تصلنا في مجملها مكتوبة و مدوّنة بينما تصلنا المعرفة الشعبية في شكل شفهي و قد تخضع فيما بعد للكتابة و التدوين . و هذا ما يقودنا إلى تحديد مفهوم مصطلح " الشعبي " وهو مفهوم ثقافي صرف يرتكز على فكرة الشيوع و الرواج بين العامة و تعني الكلمة العامة من الناس مقارنة بالخاصة و كذلك الجماعات المحليّة و العضوية المتماسكة و التي تجمع بين أفرادها روابط متنوعة .سواء كانت قرابية أم دينية أم عرقية أم مهنية مادام لها نمط حياة مشترك و سلوكات و ممارسات مشتركة تميزها عن غيرها من الجماعات و ترتبط الجماعة  بحيز مكاني محدد بالأوساط الريفية الحضرية بالبادية بالقرية بالمدينة أو حتى بحي من أحيائها و كلها مجالات مختلفة لدراسة التراث الشعبي وفقا لمنهج دقيق يعتمد بخاصة على العمل الميداني و يتمثل العمل الميداني ف ي جميع مادة المأثور الشعبي من أصحابها مباشرة وهم الإخباريون الذين يعيشون في مجالهم الطبيعي العادي و على المهتم الذهاب إلى أعماق المجتمعات المعنية بحثا و سبرا لأغوارها للتعرف على أنماط عيشها و عاداتها و تقاليدها و أوجه ثقافاتها المادية و غير المادية .

  مقتطفات من كتاب " مقولات في التراث التونسي " كتبها الناصر البقلوطي