موسم جني التّمور قديما


واحة الحامة (ڨابس)

لفصل الخريف طقوسه في واحة الحامة و له نكهته الخاصة، تبدأ الحركة في الواحة تتصاعد تدريجيا مع ظهور "الفال" عبر رطب العمّاري و الأنواع الأخرى, فيبدأ انتقاء الرّطب من رأس النخلة يوما بعد يوم. وعند ظهور تباشير ( المطرّفْ : الكنتة في بداية نضجها ) تتحوّل العين و الشاهية لالتقاط "المطرّف" المُنتقى حبّة حبّة. مع حلول شهر أكتوبر تبدأ الواحة في اِستقبال روّادها من أصحاب البساتين و التجار و يبدأ الجني. فيمتد إلى موفى شهر نوفمبر، و هناك أواع نادرة من النخيل يتم نضجها في فصل الشتاء مثلها مثل الرّمان" القاروصى" ( القارص). و مع انهاء موسم حصاد الحبوب يحلّ الرّحل بالمدينة لجمع أصول نخيلهم فيقيمون فيها إلى أن يحلّ فصل الرّبيع فيرحلون مجددا مع مواشيهم و اِبلهم و خيولهم في حين يبقى البعض من أفراد العائلة في المدينة لمرافقة أبنائهم.
هناك زوّار من جهات أخرى يحلّون خريفا بالمدينة لجمع مدّخراتهم من التمور ومع انتهاء الموسم يرتحلون، ومنهم باعة الفول المدمّس عبر مسالك الواحة و " الشيادة : باعة البقول الجافة والأسماك الجافة " ، أمّا طريقة البيع فهي المقايضة (التمر مقابل البضاعة) ، و هناك تجّار يشترون أطنانا من نواة التمور تستعمل علفا للإبل و الدّواب بصفة عامة.
اِثر أيام الجني يبدأ السّمر حول " المفصّي" ( نزع النواة من التمر) و بعد عرض التمور لأشعة الشمس لعدة أيام متتالية يتم خزنه في خوابي و أزيار من الفخّار، أما الرّطب عادة ما يُخزّن بنواته. هذا المخزون الهائل من التمور يكثر الإقبال على استهلاكه في فصل الرّبيع عندما يتكاثر الحليب و الألبان و الجيّد منه تُخرجه صاحبة البيت في شهر رمضان كمفتحات. أثناء السّمر حول التمر لنزع نواته تبدأ الحكايات و الخرّاف و الألغاز " الخبو" الموجهة للأطفال فينمو خيالهم عبر الحكايات، والألغاز عادة ماتكون بسيطة في مستوى الأطفال مثل:
سطيلْ مِي معلڨ في السّمِى ـ عنقود عنبْ
رحيّتنا كرُطْ اِلى يَلمسْها يُضرطْ ـ العقرب
طڨه هنى طڨه غادي وطڨه في الجبل من غادي ـ الهاتف
و من التمور يُصنع الرّبْ و هو نوع من المُربى, كما تُصنع الخمائر للعصيدة و الخبز يعطي نكهة  الحموضة.
تلك هي أيام الخريف كما عشتها في طفولتي حول أمي و خالتي الراوية التي كانت تزورنا في فصل الخريف محمّلة بحكاياتها الجميلة.

رمضان لطيفي